محمد حسن زيد
12 أغسطس 2025
ما صرح به جبران باسيل قائد التيار الوطني الحر في لبنان بشأن ضرورة "وضع سلاح المقاومة بتصرف الدولة" ليس انقلابا على الموقف الوطني العظيم الذي تميز به "التيار الحر" الحليف التقليدي للمقاومة لأن هذا الموقف يتطابق تماما مع وجهة نظر حزب الله وحركة أمل عندما وافقا على البيان الوزاري وتسمية رئيس للجمهورية اللبنانية ورئيس للحكومة اللبنانية لأنه بدون موافقة حزب الله وحركة أمل لم يكن بالإمكان تمرير أي شيء..
التعبير الأول: "وضع سلاح المقاومة بتصرف الدولة" يختلف تماما عن التعبير الثاني: "نزع سلاح المقاومة" فالتعبير الأول معناه أن يبقى سلاح المقاومة بيد المقاومة لكن مع ضمان أن ينحصر قرار استخدامه بيد الدولة اللبنانية ليحقق مصلحة لبنان فقط لا مصلحة أي محور خارجي، بينما التعبير الثاني "نزع سلاح المقاومة" معناه تجريد لبنان من سلاح المقاومة خدمة لإسرائيل بما سيقدح شرارة حرب أهلية ويفتت لبنان!
العملاء يخلطون بين التعبيرين عمدا.. فحزب الله وحركة أمل وافقا على التعبير الأول لكنهما لا يمكن أن يوافقا على التعبير الثاني لأن ذلك انتحار للطائفة الشيعية وتسليم مصيرها للإسرائيلي والتكفيريين، كما أن ذلك إنهاء لكيان اسمه لبنان فأي قرار تتخذه الدولة اللبنانية لا بد أن يحظى بموافقة جميع الطوائف الرئيسية (الطائفة المسيحية والطائفة السنية والطائفة الشيعية) وهناك مصطلحات مثل "الثُلُث الضامن" و"الثُلُث المُعطِّل" يفهما جميع اللبنانيين ويدركون أهميتها لحفظ كيان لبنان..
جبران باسيل الحليف السياسي التقليدي لحزب الله يعلم أن نزع سلاح حزب الله ليس خطرا على حزب الله أو الطائفة الشيعية فحسب بل يعني مقامرة بمصير المسيحيين والدروز وبقية الأطياف سيما بعدما شهد الجميع ما جرى في السويداء وفي الساحل السوري ولأن التجارب الميدانية أثبتت أن سلاح المقاومة هو الذي حفظ لبنان في مواجهة التكفيريين من قبل وهو الذي يحفظ لبنان اليوم، ولأن التعاون الدائم بين المقاومة وبين الجيش اللبناني حسم مختلف المعارك الوطنية سيما معركة تحرير جنوب لبنان عام 2000 حيث وبشهادة الرئيس العروبي المناضل إيميل لحود لم تستخدم المقاومة سلاحها أو انتصارها حينئذ لتصفية حسابات داخلية أو لإقامة محاكم طائفية انتقامية ضد المسيحيين الذين كان منهم عملاء في جنوب لبنان بعد اندحار الاحتلال الصهيوني، كما أن المقاومة في أدائها منذ تحالفها مع التيار الوطني الحر لم تستخدم سلاحها قط للاستقواء على الآخرين أو لتغيير الواقع الديمغرافي أو للهيمنة على السلطة أو في الصراع الداخلي ولم تلوح بذلك وأبقت استخدام هذا السلاح حصرا ضد إسرائيل..
ورغم ان حزب الله حين قرر إسناد غزة لم يذهب إلى حرب مفتوحة فشهد له أشد مناوئيه داخل لبنان بالحكمة وأبدوا ارتياحهم من موقفه المحسوب والمسؤول حينئذ، لكن وبعد أن أفضى هذا الإسناد إلى معادلات جديدة أصبحت مشكلة جبران باسيل هي في استخدام سلاح المقاومة ضمن سياسة المحاور ففي اللحظة التي قرر حزب الله فيها منفردا القيام بإسناد غزة لم تعد المقاومة "تُدافع عن لبنان" فقط بل تحاول "إنقاذ غزة" وحين تم تفعيل مبدأ "وحدة الساحات" داخل محور المقاومة تم توريط لبنان في الحرب مما أفقد سلاح المقاومة صفته اللبنانية الدفاعية وجعله سلاحا لمحور المقاومة وهو ما لا يتفق معه جبران باسيل..
الأهم من كل ذلك أن انهيار الجيش العربي السوري وسقوط سوريا بيد إسرائيل والقوى التكفيرية قلب الصورة تماما وأثر على موقف جبران باسيل كزعيم غير عقائدي وغير مؤدلج يمثل مصلحة تيار لبناني واسع من المسيحيين، لكن جبران باسيل ليس منافقا لأنه لم يرفع شعارات تحرير فلسطين ولا الجهاد ولا شعارات مذهبية وقومية داست عليها إسرائيل عندما داست على الإسلام والعروبة، شعارات جبران باسيل مع تياره المسيحي هي لبنان ومصلحة لبنان وكيان لبنان وبناء لبنان والدفاع عن لبنان مع الاعتزاز بانتمائه للأمة العربية وعلى ذلك تحالف مع حزب الله، ومن هذا المنطلق يمكننا أن نحترم الرجل ونتفهم موقفه مهما اختلفنا معه، وأرى أن أمثال هؤلاء الذين يحترمون أنفسهم دون ابتذال هم من تحتاجهم ساحاتنا السياسية ومنابرنا الإعلامية فالخصومة معهم إثراء ومع مثلهم يمكن الحوار والبناء والتفاهم والتعايش بخلاف العملاء لأن العميل لا يبحث عن حل بل يبحث عن مشكلة وتأجيج فتنة وإبرام صفقة لبيع موقفه وبيع الوطن مهما تَلطّى بشعارات زائفة..
هذا والله المستعان هو نعم المولى ونعم النصير